Blog
“جبل الفحلتين”.. معلم نبوي يحفظ تاريخ دروب الحجيج شمال المدينة المنورة
كتبت: سارة هليل
يقف “جبل الفحلتين”، أحد أبرز التكوينات الجغرافية شمال المدينة المنورة، شاهدًا على مرحلة مفصلية في التاريخ الإسلامي، إذ يتوسط الطريق القديم المؤدي إلى العُلا، ويمتد على المسار الذي سلكه النبي محمد ﷺ خلال غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة. ويتميّز الجبل بقمة شاهقة تعلوها صخرتان ضخمتان تشبهان قرني الفحل، وهو ما يُعتقد أنه مصدر تسميته.
ويحظى الجبل بمكانة خاصة في المصادر التاريخية والكتب الجغرافية التي تناولت معالم المدينة المنورة والطرق القديمة المؤدية منها وإليها، حيث أشار المؤرخ السمهودي في كتابه الشهير وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى إلى وجود قناتين عند هذا الموقع، على مسافة يوم من المدينة. كما أكد الفيروزآبادي في المغانم المطابة في معالم طابة أهمية “الفحلتين” كمَعلم مرّ به النبي ﷺ وجيش المسلمين في طريقهم إلى تبوك.
من جهته، أوضح الرحالة محمد بن عبدالله المولوي -في كتابه رحلة الشتاء والصيف الذي دوّنه في القرن الحادي عشر الهجري- أن الجبل يحتوي على قناتين تقعان على مرتفع من الجهة الغربية للجادة، فيما أشار السويدي في النفحة المسكية في الرحلة المكية إلى أن التسمية تعود إلى انعزال الجبل عن التجمعات السكانية، كالفحل المعتزل.
ويُعرف الجبل أيضًا باسم “فيفاء الفحلتين”، ويقع في نطاق قرية شجوى شمال غرب المدينة المنورة، كما يوضح المؤرخ والباحث في التاريخ الإسلامي الدكتور فؤاد المغامسي. ويضيف أن هذا الجبل يبرز وسط أرض منبسطة تحيط بها مرتفعات، وقد كان يُستخدم محطةً للاستراحة على طريق الحجاج القادمين من بلاد الشام، المعروف بـ”درب الحج الشامي”.
الموقع الذي يُشار إليه محليًا باسم “حصن عنتر” أو “إسطبل عنتر”، يضم آثارًا لمبانٍ يُرجّح أنها شُيّدت لخدمة قوافل الحجيج والمسافرين، ويبلغ ارتفاعه نحو 1084 مترًا. وتكمن أهمية هذا المعلم في كونه نقطة استراتيجية على الطرق التجارية والحجّية القديمة، حيث كانت القوافل تتوقف فيه للتزود والراحة قبل استئناف رحلتها عبر مسارات صعبة وتضاريس متنوعة.
ويمثل جبل الفحلتين اليوم، إرثًا جغرافيًا وتاريخيًا غنيًا، يُضاف إلى خريطة المعالم الإسلامية التي تسلط الضوء على عبق التاريخ النبوي ودروب الحجيج في جزيرة العرب.