Arab Tourism, Conference & Exibihition

“زُبالا”.. جوهرة تاريخية على طريق الحجاج تربط الماضي بالحاضر جنوب رفحاء

كتبت: سارة هليل 

في قلب الصحراء الشمالية، وعلى مسافة ليست ببعيدة عن محافظة رفحاء، تتجلى قرية “زُبالا” كواحدة من أعظم الشواهد على حضارة ضربت جذورها في عمق التاريخ. هذه القرية الأثرية، التي تقع على طريق درب زبيدة التاريخي، لم تكن مجرد محطة على دروب القوافل، بل مثلت مركزًا تجاريًا وملتقى حضاريًا للحجاج والتجار القادمين من العراق والشام على مدى قرون.

 

تشكل “زُبالا” نموذجًا فريدًا لذكاء الإنسان القديم في إدارة الموارد الطبيعية، فقد اشتهرت بآبارها العميقة المنحوتة في الصخر الأصم، والتي تبرز براعة فنية وهندسية متقدمة في نظم تخزين المياه، إلى جانب البرك المائية التي جُهزت لتجميع مياه الأمطار. ومن أبرز معالمها “بئر زُبالا” الذي يُعد معجزة معمارية حُفرت في قلب الصخور القاسية ليصل عمقها إلى نحو 250 مترًا، وبفوهة مربعة تبلغ مساحتها 10×10 أمتار، ومزود بسلالم وأماكن للاستراحة، ما يعكس روعة التنظيم وعمق التخطيط.

لم تقتصر معالم “زُبالا” على موارد المياه، بل تزخر بآثار معمارية من قصور متهدمة وحصون بارزة، أبرزها حصن زُبالا الواقع شرق القرية، والذي أصبح اليوم مزارًا سياحيًا لمحبي التاريخ وعشاق التراث.

 

وترتبط تسمية القرية باسم مؤسسها “زُبالة بن الحارث”، الذي ترك إرثًا لا يزال يروى في كتب التاريخ، وتناقلته دواوين الشعر العربي، ومنها ما جاء على لسان الشاعر “الأخطل”، الذي وصف القرية ببيت شعري يعكس أهميتها في ذاكرة العرب.

 

وقد تناول المؤرخون والباحثون ذكر “زُبالا” في عدة مؤلفات مرجعية، أبرزها “معجم البلدان”، و”معجم ما استعجم”، و”مدخل إلى الآثار الإسلامية”، إلى جانب الدراسات الجغرافية لحمد الجاسر، ورسالة الدكتوراه للدكتور سعد الراشد حول درب زبيدة.

 

اليوم، تمثل “زُبالا” رمزًا للتراث الحي، وجسرًا بين الماضي والمستقبل، حيث تتكامل فيها مقومات السياحة التاريخية مع ملامح العمق الحضاري الذي تميزت به منطقة الحدود الشمالية، لتبقى شاهدًا نابضًا على عبقرية الإنسان في التعامل مع بيئته وبناء حضارته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *